يافع الحدث/ لحج.. انسام عبدالله
يصطف معلمو لحج ومعهم كافة موظفي القطاع المدني في طابور طويل تعلو وجوههم نظرة الفاقة والذل وذلك بعد قطع رواتبهم الزهيدة جدا لمدة شهرين متتاليين .. ومن خلفهم تضج المقابر بالشهداء من أبناء جلدتهم ،والذين ضحوا بزهرات شبابهم دفاعا عن حلمٍ جميل في دولة مدنية تحمي حقوق الموظفين والمواطنين عموما .
لكن يبدو أننا أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض ! فلا الجنوب أتى ..ولا الحياة الكريمة بانت ملامحها ، و حتى الأمن الغذائي المحدود قد كُشف سترُه ! وبتنا في العراء بلا دولة ولا والٍ ، أو أي قيادات يهمها أمرنا !
أوضاع المعلمين في محافظة لحج لا تُحتمل ..فهي المحافظة الوحيدة إضافة إلى أبين ،والتي لم تلقَ أي دعم أو حوافز لمعلميها _عدا مديريتين_، رغم التزامهم بالعمل طوال العام الدراسي بدون إضراب أو تسويف ..
في حين لقي معلمو محافظات أخرى كعدن حوافز مساعدة لسد الرمق ، ولضمان عدم الإنهيار للمؤسسة التعليمية هناك ، وذلك عندما أمر حامد الأملس / وزير الدولة ومحافظ المحافظة بصرف حوافز لجميع المعلمين ، في خطوة خارجة على القانون بشكل فج ! إذ أن عدن بما فيها من موارد وبنك مركزي تُجبى إليه إيرادات وضرائب باقي المحافظات..هو من حق جميع المحافظات المحررة ..ولا سيما محافظة لحج ..الأقرب لها والمشتركة معها في التاريخ والجغرافيا !
إن استيلاء كل طرف على إيراد معين من إيرادات محافظة ما أو جهة ما ، للإنفاق على منطقة معينة خارج إطار العرف والقانون ..لا يزيد الأمر إلا سوءا ، ويعمق الهوّة بين أبناء الوطن الواحد ..ولا يثير في النفوس إلا الفتن والأحقاد ، بما يشرعن لفكرة ( الأنا ) فقط ! ..الآن وغدا ..فمن غير المضمون الإصطفاف شعبيا مرة أخرى للدفاع عن المكتسبات إذا ما طرأ طارئ ..وإذا ما غزانا دخيل !!
ولم يقف الأمر عند حدود المحافظات وخزينة الدولة ..بل امتد ليشمل بعض القيادات العسكرية التي فزعت لمناطقها ممن يهمهم أمر أهليهم ..ورفدوا معلميهم بحوافز شهرية تصل إلى المائتين ريال سعودي ..في خطوة من شأنها تخفيف أعباء ارتفاع الصرف المهول وانقطاع الرواتب المستحقة من الحكومة ..
إن حصر توزيع الهبات والحوافز في محافظات معينة ،أو مديريات معينة داخل إطار المحافظة نفسها هو أمر غير محمود البتة ! لا دستوريا ولا وطنيا ولا دينيا حتى !
إنّ من يقبل أن يعيش معلمي محافظته أو منطقته فقط ..في حين يتضور باقي معلمي المحافظات والمديريات الأخرى جوعا ..قطعا ليس وطنيا بما يكفي ..
هل هذا هو الجنوب الذي سُكب لأجله دم الشرفاء غزيرا على الطرقات وفي الجبهات !!؟
هل هذا هو الجنوب القادم الذي ذهبنا لأجله إلى المجهول حين صدقنا أنهُ آتٍ بقوة ..؟؟
نحن اليوم كمعلمي لحج نقف في مواجهة حتمية مع تخلي الجميع عنا ..من حكومة وقيادات كنا نعتقد أنها وطنية ..لقد فقدنا الثقة بشبه الدولة هذه والتي يديرها هواة لا يعرفون معنى السياسة ولا يعنيهم سوى مناصبهم وجمع المال .
أغلب الناس اليوم أصبحت تتوق لأي نظام يحكمها شريطة أن يحقق الإستقرار الاقتصادي ..فلا صوت يعلو على صوت الجوع يا قادة !!!
لقد أضعتم بأنانيتكم وطن ! وها أنتم اليوم تمزوقون النسيج الإجتماعي الجنوبي ..عندما قسمتم ثرواته كهبات ..لمن تريدون فقط ! لقد أصبحنا في وضع يرثى له سياسيا ..عندما أصبح الوزراء والمحافظين أشبه بمشائخ ( المحافظات الشمالية ) أيام فترة حكم الرئيس السابق ،، وذلك عندما كان يتم اعتماد مخصصات للقبائل يوزعوها كيفما يشاؤون بينهم !!!
نعم ...هذه هي الصورة القاتمة التي ألقت بظلالها علينا كمعلمين مدنيين في محافظة لحج ..وفي مديريتي تبن والحوطة على وجه الخصوص ..إذ لا يملك المعلمون هنا أي مدخولات إضافية سوى رواتبهم الممنوعة من الحكومة ..والتي بفعل ارتفاع الصرف أصبحت تقترب من حاجز المائة وخمسين ريال سعودي فقط !!!!
أن شهرين من انقطاع الراتب عنّا وبدون أي حوافز إسعافية.. قد أفرغ الجيوب وأطاح بكل احتمالات الصلح مع هذه الحكومة.. وجعل باب الإحتمالات مفتوح أمام أي قادم من شأنه إنقاذ المعلمين وأسرهم..فلقد طفح الكيل وبلغ الظلم مداه..
لكن ...رغم كل هذه الخيانة الوطنية والأخلاقية التي ترتكبها الحكومة ضدنا ..إلا أننا لازلنا نؤمل في غدٍ أفضل بمعية دولة قادمة تعيد للمعلم مكانته التي كانت قبل عشر سنين ..عندما كان يُصرف الراتب من العاصمة لجميع موظفي الدولة بلا استثناء وفي وقتٍ واحد ..بلا تأخير أو انقطاع ..وبدون أي ملمح ذل أمام أبواب الصرافات التجارية مثلما يحصل الآن ..