يافع الحدث / بقلم🖊️ الكاتب مختار القاضي
ثلاثة أعوام مضت، والذكرى لا تزال حيّة، مؤلمة، تستحضر تفاصيلها كأنها وقعت بالأمس.
ثلاثة أعوام على الفاجعة التي لم تكن مجرد جريمة اغتيال، بل كانت طعنة غادرة في قلب مشروع نهضة، وجرحًا غائرًا في وجدان يافع والجنوب بأسره.
في مثل هذا اليوم، امتدت يد الغدر لتغتال الشيخ محسن صالح الرشيدي، ونجله الشاب علي محسن الرشيدي، ومرافقيهم، في سوق 14 أكتوبر بيافع — السوق الذي شهد سعيهم، أحلامهم، وتعب السنين الذي ترجم إلى تنمية وتجارة وحياة.
كان رحيلهم صدمة لم تشبه سواها. فقد غُيّب رجال حملوا هموم الناس على أكتافهم، ووهبوا أعمارهم لخدمة مجتمعهم في زمن قلّ فيه الصادقون، وتراجعت فيه القيم أمام طوفان المصالح.
---
من ريف يافع إلى حلم النهضة
ولد الشيخ محسن الرشيدي في بيئة ريفية متواضعة، لكنها لم تحصر رؤيته، بل غذّت فيه الإصرار والوعي العميق بالمسؤولية.
رفض الجمود، ورفض الانتظار. آمن أن التغيير يبدأ من الداخل — من الإنسان نفسه — فانطلق في رحلة طويلة في عالم التجارة والتنمية، حاملاً في قلبه قضية، وفي عقله مشروعًا نهضويًا.
رافقه في المسيرة نجله علي محسن الرشيدي، لم يكن مجرد امتداد لاسمه، بل شريكًا حقيقيًا في الرؤية والطموح.
شابٌ جمع بين الحماس والانضباط، آمن أن الجنوب يستحق الأفضل، وأن يافع قادرة على النهوض، إن وُجد من يؤمن بها.
ساهم الاثنان في إحياء مناطق ظلت لسنوات على هامش الاهتمام. لم يركّزا على الربح فقط، بل على الأثر. على تحسين حياة الناس، وخلق فرص عمل، وبث الروح في مجتمع أنهكته الظروف.
حين يتحوّل الحلم إلى دم
لكن الأحلام الكبيرة تقلق من اعتادوا العتمة.
ومع اتساع تأثير آل الرشيدي ومحبتهم في قلوب الناس، جاءت لحظة الخيانة — مباغتة، وقاسية.
رصاصات الغدر لم تقتل رجلين فقط، بل حاولت اغتيال مشروع بأكمله.
اغتيلت معها القيم، وضُرب الأمل في صميمه.
ذلك اليوم المشؤوم لا يُنسى. فقد خرجت يافع بكل قراها ومدنها تودّع من كان جزءًا من وجدانها، ومن نبض حياتها اليومية. لم يكن وداعًا لأجساد، بل لقيم ومواقف قلّ نظيرها.
ذاكرة لا تموت
في الذكرى الثالثة لرحيلهم، لا نرثي شهداء، بل نُحيي سيرة رموز…
رجالٌ صدقوا ما عاهدوا عليه، وبقوا أوفياء لقضايا الناس حتى الرمق الأخير.
نتذكّر الشيخ محسن الرشيدي، ذلك الرجل الصادق، المتواضع، الذي لم يعرف المراوغة، وكان قريبًا من البسطاء أكثر من الوجهاء.
ونستحضر علي محسن الرشيدي، الشاب الطموح المتزن، الذي كان يستعد لكتابة فصل جديد من نهضة يافع… قبل أن يُطوى الكتاب برصاص الغدر.
من الدم تُزرع القيم
رغم الوجع، تحوّلت ذكراهم إلى شعلة أمل، وقوة دفع لاستمرار المشروع الذي حلموا به.
فثمة من حمل الراية من بعدهم، مؤمنًا بأن الغياب لا يعني النهاية، وأن الوفاء الحقيقي هو بالسير على خطاهم.
وأمام هذه الذكرى، نوجّه دعوة صادقة للجهات القضائية بتنفيذ الأحكام دون مماطلة، كي يكون القضاء رادعًا لكل من تجرأ على سفك الدم، وتعدّى على القانون والكرامة الإنسانية.
كما نوجّه رسالة واضحة لمن يحاولون تشويه الحقيقة وبثّ الأكاذيب: إن هذه القضية ليست قضية أسرة، بل قضية جنوبٍ بأكمله.
وقد قال فيها القضاء كلمته، وكل من يحاول الاصطياد في الماء العكر، لا يسيء إلا لنفسه وتاريخه.
الختام: الخلود للأثر
سلامٌ على أرواحكم الطاهرة، يا من أضأتم الطريق ورحلتم.
سلامٌ على رجالٍ كانوا نبراسًا في زمن قلّ فيه النور.
سلامٌ عليكم في الخالدين، وفي كل قلبٍ أحبّكم، وعاهد أن يمضي على دربكم.