معتقدات وعادات متعلقة بمرحلة الزواج - الجزء الثاني
يافع الحدث : المؤلف ناصر الكلدي
وعادةً ما تُعقد مجالسّ السّمَر والألفة على مضغ القات وشرب (المداعة) التمباك، وفي المجالسّ الواسعة كانت تجهَّز (الشيشِة) وهي النّرجيلة الكبيرة التي تمتاز بقصبة طويلة تمتد إلى آخر المجلس، تتنقل بانتظام بين الضيوف، ويعرف كل شخص بفنيات هذا الانتقال، فلا يطيل في بقاء النّرجيلة عنده وقتًا طويلًا، وإذا نقلها إلى الشخص الذي يليه يجب أن يمدها باحترام ثانيًا تلك (القَصَبة) باتجاهه ولا يناولها الشخص وطرفها موجه نحوه؛ لأنهم يعدّون ذلك عيبًا يدل على عدم الاحترام، ويدل على جهل الشخص بالعُرْف المسلوك في المجالس. وقد كانت مراسيم الزواج في الماضي تستمر حوالي سبعة أيام وهي كالتالي: في بيت العروسة: 1 - ليلة الأثث. 2 - ليلة الحِناء. 3 – ليلة الشَّوَاعة. 4 - نهار المَرْوَح. وفي بيت العريس: 1 - ليلة (الأثث) يقابلها عند العريس ليلة (سنِّة العريس) وقدوم المعازيم من الأقارب. 2 - ليلة الحناء. 3 - ليلة النّشرة. 4 - نهار المرْوَح. 5 - نهار الأوول (الغوول) ، ويسمى أيضًا نهار (المفْرَق) . __________ (1) الرّبْعَة: هي وعاء مصنوع من الخشب، وهي من المكاييل اليافعية القديمة.
(1/106)
6 - نهار البِراك. 7 - نهار ثاني البِراك. ولنتحدَّث عن واحد من تلك الأيام ألا وهو (نهار المرْوَح) : فهو يوم ذو أهمية كبرى وذو دلالة شعورية قيّمة، وذو أهمية فريدة في حياة المرأة الرّيفية واليافعية خصوصًا، فيه تتربَّع المرأة لتكون أميرة عرش هذا اليوم، فمنذ الصّباح الباكر حيث تكون دار العروسة والديار المجاورة لها مكتظّة بـ (الشَّوَاعة) الذين أتوا في اليوم الأول، فيتهيّأ جميع (الشواعة) منذ الصّباح الباكر ليعدّوا العدّة للمغادرة ومعهم الجوهرة التي جاءوا من أجلها، ويرون أن أي إرهاصات قد تواجههم في ذلك اليوم قد تنعكس سلبيًا على كل شخص منهم، رغم أن عقْد النّكاح قد تم في الليلة السّابقة وهم في ضيافة أبي العروسة، فلذلك تجدهم يشغلون أنفسهم بتجمعهم في حلقات البرَع والمساجلات الشعرية أمام دار العروسة، وهذا الأمر له هدفان: الأول التسلية وقضاء الوقت الذي ستأخذه العروسة في التدلل وعدم المسارعة في الخروج، والثاني هو لفت أنظار أصحاب العروسة إلى ضرورة التعجيل بتجهيز العروسة والسّماح لهم بالمغادرة، وفي أثناء ذلك تكون النّساء قد عقدن الحفل الأهم عند العروسة، واجتمعن لتوديعها توديعًا مبالغًا فيه قد يستغرق ساعات وقد يمتد إلى آخر النّهار، وهذا ما يخشاه (الشواعة) ، فيبدأن بالأهازيج التي تمدح العروسة، ثم بأهازيج تهجو (الشواعة) ؛ لأنهم ـ حسب ظنهن ـ جاءوا ليختطفوا مَن تعزّ عليهن، وعلى طريقة استفزاز الشواعة يبدأن بطلب رئيس الشواعة الذي يسمينه (كبير الشواعة) ، عند ذاك يسارع (الشواعة) إلى التشاور لتقديم مَن يمثلهم فيعطونه أغلى ما يمتلكون من البخور مثل العود الأخضر أو ما شابه ليتفاخروا به عند النّسوة، فيتقدم بسرعة لأنه إذا تأخر سيهجينه، ويضع بخوره في مبخرة كبيرة نسبيًا وضعت عند المدخل الذي تتجمَّع فيه النّساء، فيضع بخوره وينصرف ليسمع ردَّة فعلهن على ما وضع من بخور، ولكنهن في سبيل المناكفة لا يعترفن بجودة
(1/107)
ذلك البخور بل يهجينه بأبيات تعيب بخوره وأنه أتى به من (العضْرَب) (1) ، ثم يأتين بأبيات فيها طلب (للذَّريع) وهو الوسيط في ذلك الزواج، فيسارع ليضع أجود ما عنده من البخور، لكن النّسوة لا يعجبهن ذلك مهما كانت جودته، فيهجونه مثلما فعلن بصاحبه، وهكذا تستمر المماطلة وتطويل الوقت وحرق أعصاب (الشَّوَاعة) ، ولا يقبل تدخُّل الرّجال في هذا الموضوع؛ لأن ذلك هو يومهنَّ المشهود، حتى يقمن بطلب الحريو، عند ذلك تنفرج أسارير (الشَّوَاعة) ؛ لأن ذلك يشير إلى تقدَّم في الأمر، لكنه ما أن يظهر العريس حتى تنهال عليه الشروط ويتقدَّم ليجلس بجانب عروسته ويريد التعجيل بنهوضها، لكن الأمر ليس بيده، فيظل قابع والنّسوة يرددن الأهازيج التي تمتدح العروسة فقط، وبعد مضيّ حوالي النّصف السّاعة يبدأن بالإشارة للعروسة بأن تنهض مع عريسها بشروط تعجيزية، كأن يطلبن منها أن لا تنهض إلا بشيء ثمين أو مبلغ مالي خيالي ليحرقن أعصاب العريس، فيحتمل ذلك المشهَد ويصبر حتى تنهض عروسته بعد أن تقتنع ولو بشيء يسير مما طلبت النّسوة، ثم تبدأ تخطو وسط إغلاق الطّريق من قبل النّسوة ووضع العراقيل لعدم تعجيل خروجها وهن يرددن ما طاب لهن من أشعارهنّ التوديعية التي يطلن بها ويكررنها، وإذا كان الدار ذا طوابق متعددة فذلك يوم عسير على الشواعة والعريس؛ لأن ذلك يستغرق وقتًا طويلًا وذلك نتيجة للقصائد التي تقوم بتوديع كل جزء من البيت نيابةً عن العروسة في سبيل تأخيرها، ومن أجل ذلك يقلن لها: "ألا سيري ألا سيري ولش لا مرْوح الرّعيان"، أي أنه بإمكانها أن تتأخر حتى وقت الغروب.
تابعونا...
مع تحيات المؤلف :ناصر الكلدي